إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة | فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ |
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي | ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ |
ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة | تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ |
فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا | ة مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ |
كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ | وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ |
***** |
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج | وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ: |
إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ | ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ |
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب | ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ |
ومن يتهيب صعود الجبال | يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ |
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب | وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ... |
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ | وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ |
***** |
وقـالت لـي الأرضُ - لمـا سـألت: | أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــرْ? |
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح | ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ |
وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ | ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ |
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة | ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ |
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ | ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ |
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم | لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ |
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا | ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ! |
***** |
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف | مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ |
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم | وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ |
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ, | لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ? |
فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام | ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ |
وقــال لــيَ الغــابُ فــي رقَّـةٍ | مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ: |
يجــئ الشــتاءُ, شــتاء الضبـاب | شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ |
فينطفــئُ السِّـحرُ, سـحرُ الغصـونِ | وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ |
وســحرُ السـماءِ, الشـجيُّ, الـوديعُ | وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ |
وتهـــوِي الغصــونُ, وأوراقُهــا | وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ |
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ, | ويدفنُهَــا الســيلُ, أنَّــى عــبرْ |
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ, | تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ |
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ | ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ, غَــبَرْ |
وذكــرى فصــولٍ, ورؤيـا حيـاةٍ, | وأشــباحَ دنيــا, تلاشــتْ زُمَـرْ |
معانقــةً - وهـي تحـت الضبـابِ, | وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ - |
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ | وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ |
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ | وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ |
***** |