هششش يا خانم
حضرة جناب الخانم الموقرة جداً
لم أكن أعرفك قبل أن أراك في المسرح في ذاك المساء،وما زلت،حتى هذه اللحظة ، لا أعرفك .
لقد عرضت هذه المسرحية على ثلاثين مسرحاً في ألمانيا في الوقت نفسه ، و ما زالت النقاشات الدائرة حولها مستمرة في فرنسة و انكلترا و ايطاليا ، لدرجة أنها أوقعت مثقفي أوروبة فيما بينهم و قسمتهم إلى فئتين من حيث وجهات النظر.إن هذه الأحداث كافية للإشارة إلى أنه ليس من السهل أن تبقى هذه المسرحية دون مشاهدين في وطننا المسكين ، و لكن من جهة أخرى ، هناك حفنة من الناس يتوقون لرؤية هذه المسرحية التي ألفها الكاتب المسرحي صموئيل بيكيت تحت عنوان ( بانتظار غودو ) . . و لكن ما الذي نستطيع أن نفعله خاصةً أننا لسنا جيران فرنسة ( الباب ع الباب ) . لقد اقترح أرتوغرول محسن أن تقدم هذه المسرحية لعشاق الجمال و للذواقة و المفكرين من الناس ، في يومين غير مناسبين للعرض أبداً مثل الثلاثاء و الجمعة ، في وقت غير مناسب أبداً مثل الساعة الخامسة مساءً . . و لتكن التذاكر رخيصة جداً ، ليقينه أنه لن يأتي إلى هذه المسرحية إلا الناس الذين تخلو جيوبهم من النقود.ما الذي يستطيع أن يقدمه غير ذلك ؟ فلو عرضت هذه المسرحية في الساعة التاسعة مساءً – و هو أفضل وقت للعرض – فإن المسرح سيخلو من المتفرجين لمدة ثلاثة أيام ، و هذا يعني أن الذين كان من المفترض أن يأتوا لمشاهدة المسرحيات التي تعرض عادةً سيهربون حين يجدون هذه المسرحية . يومان في الأسبوع ومع ذلك ففي اليوم الأول امتلأ بالذين كانوا قد حصلوا على بطاقات دعوة و دخلوا مجاناً.
حقيقة يا خانم لا أعرف سبب مجيئك إلى هنا ،ولكن،والحق يقال،إن مجيئك في وقت شرب شاي الساعة الخامسة لهو تضحية كبرى،فقد كان باستطاعتك الذهاب في وقت كهذا إلى حفلة البيزيك أو إلى حفلة الشاي أو إلى الكوافير أو إلى الخياطة،ولكنك لم تذهبي،بل أتيت إلى المسرح،إنني أفهم وأقدر تضحيتك هذه يا خانم.ولكنني فهمت – اعتباراً من منتصف الفصل الأول ، من خلال تبديل وضعيتك بالجلوس أكثر من مرة،ومن خلال صرير المقعد الذي تجلسين عليه ، ثم من خلال البخار الذي كان يخرج من فمك بأنفاس حارقة ( أوف بووف ( أن الضجر و الملل قد ألما بك.
إنك حرة يا خانم في أن تضجري أولا وفي أن تكتشفي أن رأسك يخلو من الدماغ أولا ولكن لماذا حطمت أحلامي وآمالي على صخرة الواقع ؟ فقد كان واضحاً، من قمة رأسك ذي الشعر المصبوغ و حتى رؤوس أظافرك المطلية بالمناكور،أنك صاحبة ذوق رفيع كنت أنظر بين الحين والآخر إلى ملابسك الفاخرة والى قبعتك وحذائك وحلقك وقفازك،وأقول بيني و بين نفسي،مهما كانت هذه المسرحية مملة،ومهما رفست هذه الخانم في مقعدها كالخيول العربية ،ومهما أخرجت أصواتاً ناعمة مثل كلب الصيد المحصور،فإنها ولا شك ستظهر تربيتها العالية ورقتها من خلال تحملها لهذه المسرحية حتى المشهد الأخير،أو على الأقل ، ألا تظهر هذا الملل منذ بداية الفصل الأول حقيقة،لم أنتظر إظهار هذا الشيء منك شخصياً،بل كنت أنتظره من ملابسك الغالية أو من قلادتك أو من سوارك،ولكنك حطمت آمالي منذ منتصف الفصل الأول .
لقد كان ضجرك واضحاً من خلال جهامة وجهك الجميل و من خلال ضم شفتيك اللتين لا تصلحان لشيء إلا للتقبيل، ثم نهضت و كأنك تقولين: يا إلهي لقد ضجرت وما عدت أحتمل وراح كعب حذائك العالي والرفيع يقرقع فوق أرض الصالة مخرجاً أصواتا ً مثيرة للتوتر وخرجت من الصالة.
سيدتي الخانم :إن إساءتك لكاتب المسرحية لا تهمني،ولن أتدخل بإساءتك للمخرج ،وسيعرف الممثلون كيف سيردون لك هذه الإساءة و لن أتدخل أيضاً بإساءتك للحضور.ولكني لم أستطع أن أتقبل إساءتك لي ، فلقد تأففت و تأوهت منذ منتصف الفصل الأول ،وكان كعب حذاءك غالي الثمن،الرفيع والعالي،وأنت تخرجين، يدق على رأسي لا على أرض الصالة ، منذ ثلاثة أيام و أنا أشعر أن إساءتك لي تذلني و تسحقني ، منذ ثلاثة أيام يا خانم و أنا أفكر بالطريقة التي سأرد بها على إساءتك لي و لكنني لم أصل إلى ما يشفي غليلي آه ها قد عرفت أخيراً ياخانم كيف سأرد عليك.
هش يا خانم هششـ ش ش